« لما كشفناهم جلعنا نسوقهم في آثارهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله ﷺ، قال : فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا، قال : فانهزمنا وركبوا اكتافنا، فكانت إياها ».
وقال ابن مسعود رضي الله عنه :« كنت مع رسول الله ﷺ يوم حنين، فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار قدمنا ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة، قال : ورسول الله ﷺ على بغلته البيضاء يمضي قدماً، فحادث بغلته، فمال عن السرج، فقلت ارتفع رفعك الله، قال :» ناولني كفاً من التراب « فناولته قال : فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم تراباً قال :» أين المهاجرين والأنصار «؟ قلتك هم هناك، قال :» اهتف بهم « فهتفت بهم؛ فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم. وعن شيبة بن عثمان قال : رأيت رسول الله ﷺ يوم حنين قد عري، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما، فقلت اليوم أدرك ثأري منه قال : فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائماً عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت : عمه ولن يخذله، قال : فجئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان، فقلت : ابن عمه ولن يخذله، فجئته من خلفه، فلم يبق إلا ان أسورة سورة بالسيف، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يخمشني، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، فالتفت رسول الله ﷺ وقال :» يا شيبة يا شيبة ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان « قال : فرفعت إليه بصري ولهو أحب إليَّ من سمعي وبصري، فقال :» يا شيبة قاتل الكفار «. قال محمد بن إسحاق عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : إنا لمع رسول الله ﷺ يوم حنين، والناس يقتتلون، إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهودي من السماء، حتى وقع بيننا وبين القوم، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما كنا نشك أنها الملائكة، وفي » صحيح مسلم « قال رسول الله ﷺ :» نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم «، ولهذا قال تعالى :﴿ ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الذين كَفَرُواْ وذلك جَزَآءُ الكافرين ﴾، وقوله :﴿ ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذلك على مَن يَشَآءُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قد تاب الله على بقية هوازن فأسلموا وقدموا عليه مسلمين ولحفوه. وقد قارب مكة عند الجعرانة، وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوماً، فعند ذلك خيَّرهم بين سبيهم وبين أموالهم، فاختاروا سبيهم، وكانوا ستة آلاف أسير ما بين صبي وامرأة، فردَّه عليهم، وقسم الأموال بين الغانمين، ونفل أناساً من الطلقاء، لكي يتألف قلوبهم على الإسلام، فأعطاهم مائة مائة من الإبل، وكان من جملة من أعطى مائة ( مالك بن عوف النضري ) واستعمله على قومه كما كان، فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها :



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله في الناس كلهم بمثل محمد
فكأنه ليث على أشباله وسط المباءة خادر في مرصد