هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ، فقال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِي سَبِيلِ الله ﴾ أي إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله ﴿ اثاقلتم إِلَى الأرض ﴾ أي : تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار ﴿ أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة ﴾ ؟ أي ما لكم فعلتم هكذا رضاً منكم بالدنيا بدلاً من الآخرة؛ ثم زهَّد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة فقال :﴿ فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾، كما قال رسول الله ﷺ :« ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بما ترجع »، وأشار بالسبابة. وقال الأعمش ﴿ فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قال : كزاد الراكب، وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه : لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة، قال : ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه، فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال : أما لي من كبير ما أخلف من الدنيا إلا هذا؟ ثم ولى ظهره فبكى، وهو يقول : أف لك من دار إن كان كثيرك لقليل، وإن كان قليلك لقصير، وإن كنا منك لفي غرور. ثم توعد تعالى من ترك الجهاد فقال :﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ قال ابن عباس : استنفر رسول الله ﷺ حياً من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم ﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ : أي لنصرة نبيه وإقامة دنيه كما قال تعالى :﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم ﴾ [ محمد : ٣٨ ] ﴿ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً ﴾ : أي ولا تضروا الله شيئاً بتوليكم عن الجهاد، ونكولكم وتثاقلكم عنه ﴿ والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي قادر على الانصار من الأعداء بدونكم.


الصفحة التالية
Icon