يقول تعالى :﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج ﴾ أي معك إلى الغزو ﴿ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ﴾ أي لكانوا تأهبوا له ﴿ ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم ﴾ أي أبغض أن يخرجوا معك قدراً ﴿ فَثَبَّطَهُمْ ﴾ أي أخرهم، ﴿ وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين ﴾ أي قدراً، ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين، فقال :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ أي لأنهم جبناء مخذولون ﴿ ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفتنة ﴾ أي ولأسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة والبغضاء والفتنة، ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ أي مطيعون لهم ومستحسنون لحديثهم، وكلامهم يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير. وقال مجاهد ﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ : أي عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم، وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عام في جميع الأحوال، والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين، وقال محمد بن إسحاق : كان الذين استأذنوا فيما بلغني من ذوي الشرف منهم ( عبد الله بن أبي بن سلول ) و ( الجد بن قيس ) وكانوا أشرافاً في قومهم فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم، فقال :﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾، ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال :﴿ والله عَلِيمٌ بالظالمين ﴾، فأخبر بأنه يعلم ما كان وما يكون، ولهذا قال تعالى :﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ﴾ فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا، كما قال تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ﴾ [ النساء : ٦٦ ].


الصفحة التالية
Icon