يقول تعالى :﴿ وَمِنْهُمْ ﴾ أي ومن المنافقين ﴿ مَّن يَلْمِزُكَ ﴾ أي يعيب عليك ﴿ فِي ﴾ قسم ﴿ الصدقات ﴾ إذا فرقتها، ويتهمك في ذلك، وهم المتهمون المأبونون، وهم مع هذا لا ينكرون للدين، وإنما ينكرون لحظ أنفسهم، ولهذا ﴿ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ أي يغضبون لأنفسهم، قال قتادة : ومنهم من يطعن عليك في الصدقات، وذكر لنا أن « رجلاً من أهل البادية أتى النبي ﷺ وهو يقسم ذهباً وفضة، فقال : يا محمد! والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت، فقال نبي الله ﷺ :» ويلك فمن ذا الذي يعدل عليك بعدي «؟ » وهذا الذي ذكره قتادة يشبه ما رواه الشيخان عن أبي سعيد في قصة ( ذي الخويصرة ) « لما اعترض على النبي ﷺ حين قسم غنائم حنين، فقال له : اعدل، فإنك لم تعدل، فقال :» لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل «؛ ثم قال رسول الله ﷺ وقد رآه مقفياً :» إنه يخرج من ضِئْضِيء هذا قم يحفر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء «، وذكر بقية الحديث. ثم قال تعالى منبهاً لهم على ما هو خير لهم من ذلك ﴿ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ ﴾ فتضمنت هذه الآية الكريمة أدباً عظيماً وسراً شريفاً، حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله، والتوكل على الله وحده، في قوله ﴿ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله ﴾، وكذلك الرغبة إلى الله وحده، في التوفيق لطاعة الرسول ﷺ وامتثال أوامره وترك زواجره، وتصديق أخباره والاقتفاء بآثاره.


الصفحة التالية
Icon