ومن الأخبار بأن رسول الله ﷺ سُحِرَ وأن السحر عمل فيه، وبقصة المرأة مع عائشة رضي الله عنها، وما ذكرت من إتيانها بابل وتعلمها السحر.
ثم قد ذكر أبو عبد الله الرازي أن أنواع السحر ثمانية ( الأول ) : سحر الكذابين والكشدانيين الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر وهم الذين بعث الله إليهم إبراهيم الخليل ﷺ مبطلاً لمقالتهم وراداً لمذهبهم.
( والنوع الثاني ) : سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ثم استدل على أن الوهم له تأثير بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام، وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق لما ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال :« العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ». ( والنوع الثالث ) من السحر : الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن خلافاً للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين : مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، قال : واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الإتصال بهذه الأرواح الأرضيه يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير.
( النوع الرابع ) من السحر : التخيلات والأخذ بالعيون، والشعبذة، ومبناه على أن البصر قد يخطىء ويشتغل بالشيء المعين دون غيره ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه، عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة، وحينئذٍ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه، فيتعجبون منه جداً، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله.
( قلت ) وقد قال بعض المفسِّرين : إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب بالشعبذة ولهذا قال تعالى :﴿ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [ الأعراف : ١١٦ ]، وقال تعالى :﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى ﴾ [ طه : ٦٦ ] قالوا : ولم تكن تسعى في نفس الأمر، والله أعلم.
( النوع الخامس ) من السحر : الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة وباكية إلى أن قال : فهذه الوجوه من لطيف أمور التخاييل، قال : وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل، ( قلت ) يعني ما قاله بعض المفسرين : إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقاً فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها، ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطعام منهم، وأما الخواص فهم معترفون بذلك ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم فيرون ذلك سائغاً لهم.