يخبر تعالى عن تعنت من مشركي قريش الجاحدين المعرضين عنه، أنهم إذا قرأ عليهم الرسول ﷺ كتاب الله وحججه الواضحة قالوا له : ائت بقرآن غير هذا، أي رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر أو بدله إلى وضع آخر، قال الله تعالى لنبيّه ﷺ :﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي ﴾ أي ليس هذا إليّ إنما أنا عبد مأمور، ورسول مبلّغ عن الله، ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾، ثم قال محتجاً عليهم في صحة ما جاءهم به؛ ﴿ قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ ﴾ أي هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته وإرادته، والدليل على أني لست أتقوله من عندي، ولا افتريته أنكم عاجزون عن معارضته، وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني الله عزّ وجلّ، لا تنتقدون عليَّ شيئاً تغمصوني به، ولهذا قال :﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ أي أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل؟ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم ( أبا سفيان ) قال له : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان : فقلت : لا، وكان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين، ومع هذا اعترف بالحق ( والفضل ما شهدت به الأعداء ) فقال له هرقل : فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب ليكذب على الله. وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة : بعث الله فينا رسولاً تعرف صدقه ونسبه وأمانته، وقد كانت مدة مقامه عليه السلام بين أظهرنا قبل النبوة أربعين سنة.