يقول تعالى : لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجراماً ﴿ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً ﴾، وتقوّل على الله، وزعم أن الله أرسله ولم يكن كذلك، فليس أحد أكبر جرماً ولا أعظم ظلماً من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء؟ فإن من قال هذه المقالة صادقاً أو كاذباً فلا بدّ أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس، فإن الفرق بين محمد ﷺ وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين الضحى وبين حندس الظلماء، قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله ﷺ المدينة انجفل الناس فكنت فيمن انجفل، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال : فكان أول ما سمعته يقول :« يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا الليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام » و « لما وقد ضمام بن ثعلبة على رسول الله ﷺ في قومه بني سعد بن بكر قال لرسول الله ﷺ فيما قاله : من رفع هذه السماء؟ قال :» الله «، ومن نصب هذه الجبال؟ قال :» الله «، قال : ومن سطح هذه الأرض؟ قال :» الله «، قال : فبالذي رفع هذه السماء ونصب هذه الجبال وسطح هذه الأرض الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال :» اللهم نعم «، ثم سأله عن الصلاة والزكاة والحج والصيام ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين، ويحلف له رسول الله ﷺ، فقال له : صدقت، والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص »، فقد أيقن بصدقه صلوات الله وسلامه عليه بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه، قال حسان بن ثابت :
لو لم تكن فيه آيات مبينة | كانت بديهته تأتيك بالخبر |