يقول تعالى :﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ﴾ أي أهل الأرض كلهم من جن وإنس وبر وفاجر، كقوله :﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ٤٧ ]، ﴿ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ﴾ الآية، أي الزموا أنتم وهم مكاناً معيناً، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين، كقوله تعالى :﴿ وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون ﴾ [ يس : ٥٩ ]، وقوله :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [ الروم : ١٤ ]. وفي الآية الأخرى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾ [ الروم : ٤٣ ] أي يصيرون صدعين؛ وهذا يكون إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، ﴿ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾ أي أنهم أنكروا عبادتهم وتبرؤوا منهم، كقوله :﴿ كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾ [ مريم : ٨٢ ] الآية، وقوله :﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا ﴾ [ البقرة : ١٦٦ ]، وقوله :﴿ وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً ﴾ [ الأحقاف : ٦ ] الآية، ﴿ فكفى بالله شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ الآية، أي ما كنا نشعر بها ولا نعلم بها، وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها ولا رضينا منكم بذلك، وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره وقد تركوا عبادة الحي القيوم القادر على كل شيء، العليم بكل شيء، وقد أرسل رسله آمراً بعبادته وحده لا شريك له ناهياً عن عبادة ما سواه، كما قال تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ]، وقال :﴿ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ ؟ [ الإسراء : ٤٥ ] وقوله تعالى :﴿ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ ﴾ أي في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾ [ الطلاق : ٩ ]، وقال تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ]، وقال تعالى :﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقرأ كتابك ﴾ [ الإسراء : ١٣-١٤ ]، وقوله :﴿ وردوا إِلَى الله مَوْلاَهُمُ الحق ﴾ أي ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل، ففصلها وأدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي ذهب عن المشركين، ﴿ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ أي ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه.