يقول تعالى لنبيّه محمد ﷺ : وإن كذبك هؤلاء المشركون فتبرأ منهم ومن عملهم ﴿ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ﴾، كقوله تعالى عن إبراهيم الخليل واتباعه لقومه المشركين :﴿ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ [ الممتحنة : ٤ ]، وقوله :﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ أي يسمعون كلامك الحسن والقرآن العظيم النافع في القلوب والأبدان، ولكن ليس ذلك إليك ولا إليهم، فإنك كما لا تقدر على إسماع الأصم، فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله، ﴿ وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ أي ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من الخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك، وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم، ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار، ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً ﴾ [ الفرقان : ٤١ ] الآية، ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحداً شيئاً، وإن كان قد هدى به من هدى وبصر به من العمى، وفتح به أعيناً عمياء وآذاناً صماء، وقلوباً غلفاً، وأضل به عن الإيمان آخرين؛ فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، لعلمه وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon