يقول تعالى :﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن ﴾ بعد نوح ﴿ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بالبينات ﴾ أي بالحجج والأدلة والبراهين على صدق ما جاؤوهم به، ﴿ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ﴾، أي فما كانت الأمم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم بسبب تكذيبهم إياهم أول ما أرسلوا إليهم، كقوله تعالى :﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ﴾ [ الأنعام : ١١٠ ] الآية، وقوله :﴿ كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلوبِ المعتدين ﴾ أي كما طبع الله على قلوب هؤلاء، فما آمنوا بسبب تكذيبهم المتقدم، هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم، ويختم على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم؛ والمراد أن الله تعالى أهلك الأمم المكذبة وأنجى من آمن بهم وذلك من بعد نوح عليه السلام، فإن الناس كانوا من قبله من زمان آدم عليه السلام على الإسلام، إلى أن أحدث الناس عبادة الأصنام، فبعث الله إليهم نوحاً عليه السلام، قال ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، وقال الله تعالى :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ ﴾ [ الإسراء : ١٧ ] الآية، وفي هذه إنذار عظيم لمشركي العرب الذين كذبوا سيّد الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين، فإنه إذا كان قد أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العذاب والنكال، فماذا ظن هؤلاء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك؟


الصفحة التالية
Icon