تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هنا وبالله التوفيق، وأما قوله ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ أي هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها فالقرآن كامل صورة ومعنى، هذا معنى ما روى عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير، وقوله :﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ أي من عند الله الحكيم في أقواله وأحكامه، الخبير بعواقب الأمور ﴿ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله ﴾ أي أنزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له، وقوله :﴿ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ أي إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه، وبشير الثواب إن أطعتموه؛ كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ صعد الصفا، فدعا بطون قريش الأقرب ثم الأقرب، فاجتمعوا، فقال :« يا معشر قريش أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تصبّحكم ألستم مصدقيّ؟ » فقالوا : ما جربنا عليك كذباً، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد «، وقوله :﴿ وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ ﴾ أي وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عزّ وجلّ فيما تستقبلونه، وأن تستمروا على ذلك :﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً ﴾ أي في الدنيا، ﴿ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ أي في الدار الآخرة، قاله قتادة، كقوله :﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [ النحل : ٩٧ ] الآية، وقد جاء في » الصحيح « أن رسول الله صلى الله ﷺ قال لسعد :» وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك «، عن ابن مسعود في قوله :﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾، قال : من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا، بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول : هلك من غلب آحاده على أعشاره وقوله :﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾، هذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر الله تعالى، وكذَّب رسله فإن العذاب يناله يوم القيامة لا محالة ﴿ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي معادكم يوم القيامة، ﴿ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي وهو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه وانتقامه من أعدائه، وإعادة الخلائق يوم القيامة، وهذا مقام ترهيب كما أن الأول مقام ترغيب.