لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثنَّى بذكر السعداء، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة، على الغرف العاليات، والقطوف الدانيات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والنظر إلى خالق الأرض والسماوات، وهم في ذلك خالدون ولا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون، ولا يبصقون، ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون؛ ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال :﴿ مَثَلُ الفريقين ﴾ أي الذين وصفهم أولاً بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به، ﴿ وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ]، وأما المؤمن ففطن ذكي، بصير الحق يميز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشر، سميع للحجة فلا يروج عليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا؟ ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ أفلا يعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء كما قال تعالى :﴿ لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون ﴾ [ الحشر : ٢٠ ]، كقوله :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير * وَلاَ الظلمات وَلاَ النور * وَلاَ الظل وَلاَ الحرور * وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور ﴾ [ فاطر : ١٩-٢٢ ].


الصفحة التالية
Icon