يقول تعالى إخباراً عن نوح عليه السلام للذين أمر بحملهم معه في السفينة أنه قال :﴿ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا ﴾ أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها. قال تعالى :﴿ فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك فَقُلِ الحمد للَّهِ الذي نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين ﴾ [ المؤمنون : ٢٨ ]، ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور، عند الركوب على السفينة وعلى الدابة، كما روى الطبراني، عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال :« أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا : بسم الله الملك ﴿ وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [ الأنعام : ٩١ ] - الآية - ﴿ بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ »، وقوله :﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله :﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ الأعراف : ١٦٧ ]، وقوله :﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كالجبال ﴾ أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء، الذي قد طبق جميع الأرض، حتى طغت على رؤوس الجبال، وارتفع عليها بخمسة عشرة ذراعاً، وقيل : بثمانين ميلاً، وهذه السفينة جارية على وجه الماء بإذن الله وكنفه وعنايته، كما قال تعالى :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١١-١٢ ]، وقال تعالى :﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴾ [ القمر : ١٤ ]، وقوله :﴿ ونادى نُوحٌ ابنه ﴾ الآية، هذا هو الابن الرابع واسمه يام وكان كافراً، دعاه أبو أن يؤمن ويركب معهم، ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون، ﴿ قَالَ سآوي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المآء ﴾ اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال، وأنه لو تعلق في رأس بجل لنجّاه ذلك من الغرق، فقال لو أبوه نوح عليه السلام ﴿ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ ﴾ أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله، وقيل إنّ ﴿ عَاصِمَ ﴾ بمعنى ( معصوم ) كما يقال : طاعم وكاس، بمعنى مطعوم ومكسو ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين ﴾.


الصفحة التالية
Icon