الإيمان في اللغة يُطلق على التصديق المحض كما قال تعالى :﴿ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ التوبة : ٦١ ]، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم :﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ [ يوسف : ١٧ ]، وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ الشعراء : ٢٢٧ ] فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب أكثر الأئمة وحكاه الشافعي وأحمد إجماعاً : أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وقد ورد فيه آثار كثيرة أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة، ومنهم من فسره بالخشية :﴿ إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب ﴾ [ الملك : ١٢ ] والخشيةُ خلاصة الإيمان العلم :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء ﴾ [ فاطر : ٢٨ ].
وأما الغيب المراد هاهنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، فقال أبو العالية : يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، وجنته ولقائه، وبالحياة بعد الموت فهذا غيبٌ كله. وقال السُّدي عن ابن عباس وابن مسعود : الغيبُ ما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن. وقال عطاء : من آمن بالله فقد آمن بالغيب. فكل هذه متقاربة في معنى واحد والجميع مراد.
روى ابن كثير بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال :« كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي ﷺ وما سبقونا به، فقال عبد الله : إن أمر محمد ﷺ كان بَيِّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحدٌ قط إيماناً أفضل من إيمانٍ بغيب، ثم قرأ :﴿ الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب - إلى قوله - المفلحون ﴾ وفي معنى هذا الحديث ما رواه أحمد عن ( ابن محيريزِ ) قال : قلت لأبي جمعة حدثْنا حديثاً سمعته من رسول الله ﷺ قال نعم أحدثك حديثاً جيداً :» تغدينا مع رسول الله ﷺ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال يا رسول الله : هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك، قال : نعم، قومٌ من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني « وفي رواية أُخرى عن صالح بن جبير قال : قدم علينا أبو جمعة الأنصاري، صاحب رسول الله ﷺ ببيت المقدس يصلي فيه ومعنا يومئذٍ ( رجاء بن حيوة ) رضي الله عنه، فلما انصرف خرجنا نشيِّعه فلما أراد الانصراف قال : إنَّ لكم جائزة وحقاً أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله ﷺ قلنا : هات رحمك الله، قال :» كنا مع رسول الله ﷺ - ومعنا معاذ ابن جبل عاشر عشرة - فقلنا يا رسول الله : هل من قومٍ أعظم منا أجراً؟ آمنا بك واتبعناك، قال :« ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء؟ بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين، يؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً أولئك أعظم منكم أجراً » «.


الصفحة التالية
Icon