يقول تعالى : فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك، ﴿ وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب ﴾ هذا فيه تعظيم لما فعلوه، أنهم اتفقوا كليهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له إكراماً له وبسطاً وشرحاً لصدره، وإدخالاً للسرور عليه، فقال : إن يعقوب عليه السلام لما بعثه معهم ضمه إليه وقلبه ودعا له، فذكر السدي وغيره أنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له إلا أن غابوا عن عين أبيه، وتواروا عنه، ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم ونحوه، والفعل من ضرب ونحوه، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه، فسقط في الماء، فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه فقام فوقها، وقوله :﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾، يقول تعالى ذاكراً لطفه ورحمته، وإنزاله اليسر في حال العسر، إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق تطييباً لقلبه، وتثبيتاً له : إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجاً ومخرجاً حسناً، وسينصرك الله عليهم ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا التصنيع، وقوله :﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ قال مجاهد وقتادة : بإيحاء الله إليه، وقال ابن عباس : ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك وهم لا يعرفونك ولا يشعرون بك.