يقول تعالى مخبراً عما جرى ليوسف عليه السلام في الجب حين ألقاه إخوته، وتركوه في ذلك الجب وحيداً فريداً، عليه السلام في البئر ثلاثة أيام، وقال محمد بن إسحاق : لما ألقاه إخوته في البئر جلسوا حول البئر يومهم ذلك ينظرون ماذا يصنع وما يصنع به، فساق الله له سيارة، فنزلوا قريباً من تلك البئر وأرسلوا واردهم، وهو الذي يتطلب لهم الماء، فلما جاء ذلك البئر وأدلى دلوه فيها تشبث يوسف عليه السلام فيها، فأخرجه واستبشر به، وقال :﴿ يابشرى هذا غُلاَمٌ ﴾ أي يا بشراي، ﴿ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ﴾ أي وأسره الواردون من بقية السيارة، وقالوا : اشتريناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره، وقال ابن عباس :﴿ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ﴾ : يعني إخوة يوسف أسروا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع، فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه :﴿ يابشرى هذا غُلاَمٌ ﴾ يباع، فباع إخوته، وقوله :﴿ والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ أي عليم يفعله إخوة يوسف ومشتروه، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدر سابق، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه ﴿ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ]، وقوله :﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ يقول تعالى : وباعه إخوته بثمن قليل، قاله مجاهد وعكرمة، والبخس : هو النقص، كما قال تعالى :﴿ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً ﴾ [ الجن : ١٣ ] أي اعتاض عنه إخوته بثمن قليل، ومع ذلك كانوا فيه من الزاهدين، أي ليس لهم رغبة فيه بل لو سئلوه بلا شيء لأجابوا، والضمير في قوله :﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ عائد على إخوة يوسف، وقال قتادة : بل هو عائد على السيارة، والأول أقوى، لأن قوله :﴿ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين ﴾ إنما أراد إخوته لا أولئك السيارة، لأن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه، فترجح من هذا الضمير في ﴿ شَرَوْهُ ﴾ إنما هو لإخوته، وقوله :﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ عن ابن مسعود رضي الله عنه : باعوه بعشرين درهماً وقال عكرمة : أربعون درهماً، وقال الضحاك في قوله :﴿ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين ﴾ ذلك أنهم لم يعلموا نبوته ومنزلته عند الله عزّ وجلّ.


الصفحة التالية
Icon