لما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة قال لهم إخوة يوسف :﴿ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ أي لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا، لأنهم شاهدوا منهم سيرة حسنة، إنا ﴿ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ أي ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة، فقال لهم الفتيان :﴿ فَمَا جَزَآؤُهُ ﴾ أي السارق إن كان فيكم ﴿ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ أي : أيُّ شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه؟ ﴿ قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كذلك نَجْزِي الظالمين ﴾، وهكذا كانت شريعة إبراهيم عليه السلام أن السارق يدفع إلى المسروق منه، وهذا هو الذي أراد يوسف عليه السلام، ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، أي فتشها قبله تورية، ﴿ ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ ﴾ فأخذه منهم بحكم اعترافهم وإلزامهم بما يعتقدونه، ولهذا قال تعالى :﴿ كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ ﴾ وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه ويرضاه لما فيه من الحكمة والمصلحة والمطلوبة، وقوله :﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك ﴾ أي لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر، وإنما كان يعلم ذلك من شريعتهم، ولهذا مدحه الله تعالى فقال :﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ ﴾، كما قال تعالى :﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾ [ المجادلة : ١١ ] الآية، ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾. قال الحسن البصري : ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عزّ وجلّ. عن سعيد بن جبير قال : كنا عند ابن عباس فحدّث بحديث عجيب، فتعجب رجل فقال : الحمد لله، فوق كل ذي علم عليم، فقال ابن عباس : بئس ما قلت، الله العليم فوق كل عالم، يكون هذا أعلم من هذا وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم، وقال قتادة :﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ وتعلمت العلماء وإليه يعود.