يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه، أنه الذي بإذنه وأمره رفع السماوات بغير عمد، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا يدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء، من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وهكذا إلى السابعة، وفي الحديث : ما السماوات السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي في العرش المجيد كتلك الحلقة في تلك الفلاة «. وفي رواية :» العرش لا يقدر قدره إلا الله عزّ وجلّ « وجاء عن بعض السلف : أن بعد ما بين العرش إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة، وهو من ياقوتة حمراء، وقوله :﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ السماء على الأرض مثل القبة، يعني بلا عمد، وهذا هو اللائق بالسياق، والظاهر من قوله تعالى :﴿ وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ الحج : ٦٥ ] فعلى هذا يكون قوله :﴿ تَرَوْنَهَا ﴾ تأكيداً لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل في القدرة، وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾ تقدم تفسيره في سورة الأعراف، وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، ولا تمثيل تعالى الله علواً كبيراً، وقوله :﴿ وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ قيل : المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة، كقوله تعالى :﴿ والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ [ يس : ٣٨ ]، وقيل : المراد إلى مستقرهما وو تحت العرش، وذكر الشمس والقمر لأنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة التي هي أشرف وأعظم من الثوابت، فإذا كان قد سخر هذه فلأن يدخل في التسخير سائر الكواكب بطريق الأولى والأخرى، كما نبه بقوله تعالى :﴿ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ واسجدوا لِلَّهِ الذي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [ فصلت : ٣٧ ]، مع أنه قد صرح بذلك بقوله :﴿ والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ]، وقوله :﴿ يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ أي يوضح الآيات والدلالات الدالة على أنه لا إله إلا هو وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما بدأه.