يقول تعالى :﴿ وَبَرَزُواْ ﴾ أي برزت الخلائق كلها، برها وفاجرها لله الواحد القهار، أي اجتمعوا له في براز من الأرض، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحداً، ﴿ فَقَالَ الضعفاء ﴾ وهم الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم ﴿ لِلَّذِينَ استكبروا ﴾ عن عبادة الله وحده لا شريك له، وعن موافقة الرسل، قالوا لهم :﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ أي مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا، ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ ﴾ أي فهل تدفعون عنا شيئاً من عذاب الله كما كنتم تعدوننا وتمنوننا، فقالت القادة لهم :﴿ لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ أي ليس لنا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه. قال عبد الرحمن بن أسلم : إن أهل النار قالوا : تعالوا فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله عزّ وجلّ، تعالوا نبك ونتضرع إلى الله، فبكوا وتضرعوا، فلما رأوا أنه لا ينفعهم، قالوا : إنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر، تعالوا حتى نصبر فصبروا وصبراً لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك، فعند ذلك قالوا :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا ﴾ الآية. قلت : والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها، كما قال تعالى :﴿ وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النار فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النار ﴾ [ غافر : ٤٧ ]، وقال ﴿ حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ]، وقال تعالى :﴿ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ ]، وأما تخاصمهم في المحشر فقال تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ ﴾ [ سبأ : ٣١-٣٢ ].


الصفحة التالية
Icon