يذكر تعالى في هذا المقام محتجاً على مشركي العرب بأن البلد الحرام مكة، إنما وضعت أول ما وضعت علىعبادة الله وحده لا شريك له، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه آهلة تبرأ ممّن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن فقال :﴿ رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً ﴾، وقد استجاب الله له فقال تعالى :﴿ رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً ﴾ الآية. وقال في هذه القصة :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ] فعرفه لأنه دعا به بعد بنائها، ولهذا قال :﴿ الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [ إبراهيم : ٣٩ ]، ومعلوم أن إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، وقوله :﴿ واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته، ثم ذكر أنه افتتن بالأصنام خلائق من الناس، وأنه تبرأ ممن عبدها ورد أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شار غفر لهم، كقول عيسى عليه السلام :﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾ [ المائدة : ١١٨ ] وليس فيه أكثر من الرد إلى مشيئة الله تعالى لا تجويز وقوع ذلك. قال عبد الله بن وهب، « عن عبد الله بن عمر وأن رسول الله ﷺ تلا قول إبراهيم عليه السلام :﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس ﴾ الآية، وقول عيسى عليه السلام :﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ [ المائدة : ١١٨ ] الآية، ثم رفع يديه، ثم قال :» أللهم أمتي، اللهم أمتي، اللهم أمتي « وبكى، فقال الله : اذهب يا جبريل إلى محمد، وربك أعلم؛ وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام، فسأله فأخبره رسول الله ﷺ ما قال : فقال الله : اذهب يا محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤوك ».


الصفحة التالية
Icon