يقول تعالى :﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات ﴾ [ إبراهيم : ٤٨ ] وتبرز الخلائق لديَّانها ترى يا محمد يومئذٍ المجرمين وهم الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم، ﴿ مُّقَرَّنِينَ ﴾ أي بعضهم إلى بعض قد جمع بين النظراء أو الأشكال منهم كل صنف إلى صنف، كما قال تعالى :﴿ احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [ الصافات : ٢٢ ]، وقال :﴿ وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ ﴾ [ التكوير : ٧ ]، وقال :﴿ وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾ [ الفرقان : ١٣ ]، وقال :﴿ والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ﴾ [ ص : ٣٧-٣٨ ] والأصفاد هي القيود، قال عمرو بن كلثوم.
فآبوا، بالثياب وبالسبايا | وأبنا بالملوك مصفدينا |
وقوله تعالى :
﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ ﴾ أي ثيابهم التي يلبسونها من قطران، وهو الذي تهنأ به الإبل، أي تطلى، قال قتادة : وهو ألصق شيء بالنار، وكان ابن عباس يقول : القطران هو النحاس المذاب، أي من نحاس حار قد انتهى حره، وقوله :
﴿ وتغشى وُجُوهَهُمُ النار ﴾، كقوله :
﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٠٤ ]، وقال الإمام أحمد، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله ﷺ :
« أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها؛ تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب »، وقوله :
﴿ لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ﴾ أي يوم القيامة
﴿ لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ ﴾ [ النجم : ٣١ ] الآية،
﴿ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب ﴾ يحتمل أن يكون كقوله تعالى :
﴿ اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ [ الأنبياء : ١ ] ويحتمل أنه في حال محاسبته لعبده سريع النجاز، لأنه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه خافية، وإن جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم، كقوله تعالى :
﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [ لقمان : ٢٨ ]، وهذا معنى قول مجاهد :
﴿ سَرِيعُ الحساب ﴾ إحصاءً، ويحتمل أن يكون المعنيان مرادين والله أعلم.