قال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ قال : هو النمروذ الذي بنى الصرح؛ وقال زيد بن أسلم : أول جبار كان في الأرض النمروذ، وقال آخرون، بل هو بختنصر، وقال آخرون : هذا من المثل لإبطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره، كما قال نوح عليه السلام :﴿ وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٢ ] أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة، ﴿ بَلْ مَكْرُ اليل والنهار إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً ﴾ [ سبأ : ٣٣ ] الآية. وقوله :﴿ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد ﴾ أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم، كقوله تعالى :﴿ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله ﴾ [ المائدة : ٦٤ ]، وقوله :﴿ فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب ﴾ [ الحشر : ٢ ]، وقال الله هاهنا :﴿ فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ ﴾ أي يظهر فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فيجعله علانية كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾ [ الطارق : ٩ ] أي تظهر وتشتهر، كما في « الصحيحين » عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ :« ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته، فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان » وهكذا هؤلاء يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق، ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعاً لهم وموبخاً :﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ﴾ ؟ تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم هاهنا؟ ﴿ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴾ [ الشعراء : ٩٣ ]، ﴿ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ ﴾ [ الطارق : ١٠ ]، فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة : وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار، ﴿ قَالَ الذين أُوتُواْ العلم ﴾ وهم السادة في الدنيا والآخرة :﴿ إِنَّ الخزي اليوم والسواء عَلَى الكافرين ﴾ أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله، وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه.


الصفحة التالية
Icon