يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الإشراك واعتذارهم محتجين بالقدر بقولهم :﴿ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ ولا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾ أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك ممّا كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ما لم ينزل به سلطاناً، ومضمون كلامهم أنه لو كان تعالى كارهاً لما فعلنا لأنكره علينا بالعقوبة ولما أمكننا منه؛ قال تعالى راداً عليهم شبهتهم :﴿ فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين ﴾ أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم، بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار ونهاكم عنه آكد النهي، وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة من الناس رسولاً، فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح، وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، إلى أن ختمهم بمحمد ﷺ الذي طبقت دعوته لإنس والجن في المشارق والمغارب. ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول :﴿ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾ ؟ فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله؛ وأما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدراً فلا حجة لهم فيها، لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة، ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل، فلهذا قال :﴿ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة فَسِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ﴾ أي أسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق، كيف ﴿ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ [ محمد : ١٠ ]، فقال :﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ ﴾ [ الملك : ١٨ ]، ثم أخبر الله تعالى رسوله ﷺ أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم، إذا كان الله قد أراد إضلالهم، كقوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً ﴾ [ المائدة : ٤١ ]، وقال نوح لقومه :﴿ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ [ هود : ٣٤ ]، وقال في هذه الآية الكريمة :﴿ إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ ﴾. كما قال تعالى :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ]، وقوله :﴿ فَإِنَّ الله ﴾ أي شأنه وأمره، ﴿ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ ﴾ أي من أضله، فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟ أي لا أحد ﴿ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ أي ينقذونه من عذابه ووثاقه ﴿ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ].


الصفحة التالية
Icon