يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم وجعلوا للأوثان نصيباً مما رزقهم الله، فقالوا :﴿ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا ﴾ [ الأنعام : ١٣٦ ] أي جعلوا لآلهتهم نصيباً مع الله وفضلوها على جانبه، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه، وليقابلنهم عليه وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم فقال :﴿ تالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة إناثاً وجعلوها بنات الله، فعبدوها معه، فنسبوا إليه تعالى الولد ولا ولد له، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد وهو البنات وهم لا يرضونها لأنفسهم، كما قال :﴿ أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى ﴾ [ النجم : ٢١-٢٢ ]، وقوله هاهنا :﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات سُبْحَانَهُ ﴾ أي عن قولهم وإفكهم، ﴿ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى البنات على البنين * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [ الصافات : ١٥١-١٥٤ ]، وقوله :﴿ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ أي يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. فإنه ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً ﴾ أي كئيباً من الهم ﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن، ﴿ يتوارى مِنَ القوم ﴾ أي يكره أن يراه الناس، ﴿ مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب ﴾ أي إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتني بها، ويفضل أولاده الذكور عليها، ﴿ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب ﴾ أي يئدها وهو أن يدفنها فيه حية كما كانوا يصنعون في الجاهلية، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله؟ ﴿ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [ الزخرف : ١٧ ]، وقوله : هاهنا :﴿ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء ﴾ أي النقص إنما ينسب إليهم ﴿ وَلِلَّهِ المثل الأعلى ﴾ أي الكمال المطلق من كل وجه وهو منسوب إليه ﴿ وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾.


الصفحة التالية
Icon