يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة، وأنه يبعث من كل أمة شهيداً وهو نبيها، يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى :﴿ ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾ أي في الاعتذار لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه كقوله :﴿ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ المرسلات : ٣٥-٣٦ ] فلهذا قال :﴿ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ ﴾ أي الذين أشركوا ﴿ العذاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ ﴾ أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة ﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ أي لا يؤخر عنهم، بل يأخذهم سريعاً من الموقف بلا حساب، ثم أخبر تعالى عن تبري آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها فقال :﴿ وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ ﴾ أي الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ﴿ قَالُواْ رَبَّنَا هؤلاءآء شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ أي قالت لهم الآلهة كذبتم ما نحن أمرناكم بعبادتنا كما قال تعالى :﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [ الأحقاف : ٥ ] وقوله :﴿ وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم ﴾ قال : قتادة وعكرمة : ذلوا واستسلموا يومئذٍ، أي استسلموا لله جميعهم، فلا أحد إلاّ سامع مطيع. وكقوله :﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ﴾ [ مريم : ٣٨ ] أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذٍ، وقال :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا ﴾ [ السجدة : ١٢ ] الآية، وقال :﴿ وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾ [ طه : ١١١ ] أي خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت. وقوله :﴿ وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ أي ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجير، ثم قال تعالى :﴿ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَاباً ﴾ الآية، أي عذاباً على كفرهم وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق، وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم، كما قال تعالى :﴿ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ].


الصفحة التالية
Icon