قال ابن عباس : أي يصدّقون بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم ﴿ وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ أي بالبعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان، وإنما سميت ( الآخرة ) لأنها بعد الدنيا. وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هنا على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير :
أحدها : أن الموصوفين أولاً هم الموصوفون ثانياً، وهم كل مؤمنٍ، مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب.
والثاني : هم مؤمنو أهل الكتاب وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفاتٍ على صفات كما قال تعالى :﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى * الذي خَلَقَ فسوى * والذي قَدَّرَ فهدى ﴾ [ الأعلى : ١-٣ ] فعطف الصفات بعضها على بعض.
والثالث : أن الموصوفين أولاً مؤمنو العرب، والموصوفون ثانياً بقوله :﴿ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾ هم مؤمنو أهل الكتاب، واختاره ابن جرير ويستشهد بقوله تعالى :﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩٩ ] وبقوله تعالى :﴿ الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قالوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ [ القصص : ٥٢-٥٣ ]، وبما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :« ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي، ورجل مملوك أدى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل أدّب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ».
قلت : والظاهر قول مجاهد : أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين، فهذه الآيات الأربع عامة في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي، من إنسيّ وجني، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأُخرى، بل كل واحدة مستلزمة للأُخرى وشرط معها فلا يصح الإيمان بالغيب إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول، وما جاء به من قبله من الرسل، والإيقان بالآخرة، كما أن هذا لا يصح إلا بذاك، وقد أمر الله المؤمنين بذلك كما قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذي نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ﴾ [ النساء : ١٣٦ ] وقال تعالى :﴿ وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ ﴾ [ العنكبوت : ٤٦ ]. وأخبر تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك فقال :﴿ آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ بالله وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ] الآية.


الصفحة التالية
Icon