﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى ﴾ [ النجم : ٤ ].
وتقدير الكلام إذن :﴿ وَعَهِدْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ ﴾ أي تقدمنا بوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ﴿ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والعاكفين والركع السجود ﴾ أي طهراه من الشرك والريب وابنياه خالصاً لله معقلاً للطائفين والعاكفين والركع السجود. وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية الكريمة ومن قوله تعالى :﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال ﴾ [ النور : ٣٦ ]، ومن السنّة من أحاديث كثيرة من الأمر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك من صيانتها من الأذى والنجاسات وما أشبه ذلك. ولهذا قال عليه السلام :« إنما بنيت المساجد لما بنيت له »، وقد جمعت في ذلك جزءاً على حدة ولله الحمد والمنة. وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة؟ فقيل : الملائكة قبل آدم ذكره القرطبي وحكى لفظه وفيه غرابة، وقيل آدم عليه السلام رواه عطاء وسعيد بن المسيب وهذا غريب أيضاً. وروي عن ابن عباس وكعب الأحبار أن أول من بناه شيث عليه السلام، وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها. وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين.
وقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بالله واليوم الآخر ﴾ قال ابن جرير عن جابر بن عبد الله : قال رسول الله ﷺ :« إن إبراهيم حرَّم بيت الله وأَمَّنه، وإني حرمت المدينة وما بين لابتيها، فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول الله ﷺ، فإذا أخذه رسول الله ﷺ قال :« اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدّنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه » ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله ﷺ لأبي طلحة :« التمس لي غلاماً من غلمانكم يخدمني »، فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله ﷺ كلما نزل.


الصفحة التالية
Icon