هذا مثل أريد به أهل مكة؟ فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمناً لا يخاف، كما قال تعالى :﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ﴾ [ القصص : ٥٧ ]، وهكذا قال هاهنا ﴿ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً ﴾، أي هنيئاً سهلاً، ﴿ مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله ﴾ أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد ﷺ إليهم، كما قال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار ﴾ [ إبراهيم : ٢٨-٢٩ ] ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما فقال :﴿ فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف ﴾ أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليها ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وذلك أنهم استعصوا على رسول الله ﷺ وأبو إلا خلافه، فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم، فأكلوا العلهز، وهو وبر يخلط بدمه إذا نحروه. وقوله :﴿ والخوف ﴾ وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفاً من رسول الله ﷺ وأصحابه، حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه، وجعل كل ما لهم في دمار وسفال، حتى فتحها الله على رسوله، ﷺ وذلك بسبب صنيعهم وبغيهم وتكذيبهم الرسول ﷺ الذي بعثه الله فيهم منهم وامتن به عليهم في قوله :﴿ لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٦٤ ] الآية. وهذا الذي قلناه من أن هذا المثل ضرب لأهل مكة قاله ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد وقتادة والزهري رحمهم الله.


الصفحة التالية
Icon