يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك له، فإن القضاء هاهنا بمعنى الأمر. قال مجاهد ﴿ وقضى ﴾ يعنى وصّى، ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال :﴿ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ أي وأمر بالوالدين إحساناً، كقوله في الآية الأخرى :﴿ أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير ﴾ [ لقمان : ١٤ ]. وقوله :﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ﴾ أي لا تسمعهما قولاً شيئاً حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيء، ﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ﴾ أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء ﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ﴾ أي لا تنفض يدك عليهما، ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول الحسن والفعل الحسن. فقال :﴿ وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾ أي ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم. ﴿ واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة ﴾ أي تواضع لهما بفعلك، ﴿ وَقُل رَّبِّ ارحمهما كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ أي في كبرهما وعند وفاتهما. وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة، ( منها ) الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره « أن النبي ﷺ صعد المنبر ثم قال :» آمين آمين آمين «، قيل : يا رسول الله علام أمنت؟ قال :» أتاني جبريل. فقال : يا محمد زعم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له، قل آمين فقلت آمين، ثم قال : رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. قل آمين، فقلت آمين « ( حديث آخر ) : روى الإمام أحمد عن أبي مالك القشيري قال، قال النبي ﷺ :» من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه « ( حديث آخر ) : روى الإمام أحمد. عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :» رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف : رجل أدرك أحد أبويه أو كلاهما عنده الكبر ولم يدخل الجنة « ( حديث آخر ) : عن مالك بن ربيعة الساعدي قال :» بينما أنا جالس عند رسول الله ﷺ إذ جاءه من الأنصار، فقال : يا رسول الله هل بقي علي من بر أبويّ شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال :« نعم، خصال أربع : الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما. وصلة الرحم التي لا رحم لك إلاّ من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما » ( حديث آخر ) : عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي ﷺ فقال :« يا رسول الله أردت الغزو. وجئتك أستشيرك. فقال :» فهل لك من أم؟ « قال : نعم، قال :» فالزمها فإن الجنة عند رجليها « ( حديث آخر ) : قال الحافظ البزار في » مسنده « عن سليمان بن بريدة، عن أبيه » أن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها. فسأل ﷺ هل أديت حقها؟ قال :« لا، ولا بزفرة واحدة » «.