يقول تعالى لرسوله محمد ﷺ : وإذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين القرآن. جعلنا بينك وبينهم حجاباً مستوراً قال قتادة وابن زيد : هو الأكنة على قلوبهم، كما قال تعالى :﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [ فصلت : ٥ ] : أي مانع حائل أن يصل إلينا مما تقول شيء وقوله :﴿ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ بمعنى ساتر، وقيل مستوراً عن الأبصار فلا تراه، وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى. عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت : لما نزلت ﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [ المسد : ١ ] « جاءت العوراء أم جميل، لها ولولة وفي يدها فهر. وهي تقول : مذمماً أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا. ورسول الله ﷺ جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر رضي الله عنه : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال :» إنها لن تراني «، وقرأ قرآناً اعتصم به منها » ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾، قال، فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي ﷺ، فقلت يا أبا بكر : بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت، ما هجاك، قال فانصرفت وهي تقول : لقد علمت قريش أني بنت سيدها. وقوله ﴿ وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ وهي جمع كنان : الذي يغشى القلب ﴿ أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ : أي لئلا يفهموا القرآن ﴿ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾ وهو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرىن سماعاً ينفعهم ويهتدون به. وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ ﴾ أي إذا وحدت الله في تلاوتك وقلت : لا إله إلاّ الله ﴿ وَلَّوْاْ ﴾ أي أدبروا راجعين ﴿ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً ﴾، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة ﴾ [ الزمر : ٤٥ ] الآية. قال قتادة : إن المسلمين لما قالوا : لا إله إلاّ الله، أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم فضاقها إبليس وجنوده، فأبى الله إلاّ أن يمضيها وبعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر. إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها.


الصفحة التالية
Icon