يقول تعالى :﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ أيها الناس، أي أعلم بمن يستحق منكم الهداية ومن لا يستحق، ﴿ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ ﴾ بأن يوفقكم لطاعته والإنابة إليه، ﴿ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ ﴾ يا محمد ﴿ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ أي إنما أرسلناك نذيراً، فمن أطاعك دخل الجنة، ومن عصاك دخل النار، وقوله :﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض ﴾ أي بمراتبهم في الطاعة والمعصية، ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ ﴾، كما قال تعالى :﴿ تِلْكَ الرسل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ]، وهذا لا ينافي ما ثبت في « الصحيحين » أن رسول الله ﷺ قال :« لا تفضلوا بين الأنبياء »، فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية، لا بمقتضى الدليل، فإذا دل الدليل على شيء وجب اتباعه، ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء، وأن أولي العزم منهم فضلهم، وهم الخمسة المذكورون نصاً في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ ﴾ [ الآية : ٧ ]. وفي الشورى في قوله :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ﴾ [ الآية : ١٣ ]، ولا خلاف أن محمداً ﷺ أفضلهم، ثم بعده إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم السلام على المشهور، وقد بسطناه بدلائله في غير هذا الموضع والله الموفق. وقوله تعالى :﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ تنبيه على فضله وشرفه، عن النبي ﷺ قال :« خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فكان يقرؤه قبل أن يفرغ » يعني القرآن.