فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر قال : فقال أبو القاسم ﷺ :« لو تركته لكان الماء ظاهراً »، قال : فجعلت تشرب من الماء ويدرُّ لبنها على صبيها. قال : فمرّ ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير كأنهم أنكروا ذلك، وقالوا : ما يكون الطير إلا على ماء، فبعثوا رسولهم فنظر فإذا هو بالماء فأتاهم فأخبرهم، فأتوا إليها فقالوا : يا أم إسماعيل أتاذنين لنا أن نكون معك ونسكن معك؟
فبلغ ابنها ونكح منهم امرأة. قال : ثم إنه بدا لإبراهيم ﷺ فقال لأهله : إني مطلع تركتي، قال : فجاءهم فسلّم فقال : أين إسماعيل؟ قالت امرأته : ذهب يصيد، قال : قولي له إذا جاء غيِّرْ عتبةَ بابك، فلما أخبرته قال : أنتِ ذاك فاذهبي إلى أهلك، قال : ثم إنه بدا لإبراهيم فقال : إني مطلع تركتي، قال فجاء فقال : أين إسماعيل؟ فقالت امرأته : ذهب يصيد، فقالت : ألا تنزل فتطعم وتشرب؟ فقال : ما طعامكم وما شرابكم؟ قالت : طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال : اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال : فقال أبو القاسم ﷺ :« بركة بدعوة إبراهيم » قال : ثم إنه بدا لإبراهيم ﷺ، فقال لأهله : إني مطلع تركتي فجاء فوفق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلاً له، فقال : يا إسماعيل إن ربك عزّ وجلّ أمرني أن أبني له بيتاً، فقال : أطع ربك عزّ وجلّ، قال : إنه أمرني أن تعينني عليه، فقال : إذن افعل - أو كما قال - فقام فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان :﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم ﴾ قال : حتى ارتفع البناء، وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام، فجعل يناوله الحجارة ويقولان :﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السميع العليم ﴾.
قال محمد بن إسحاق عن مجاهد وغيره من أهل العلم : إن الله بوأ إبراهيم مكان البيت، خرج إليه من الشام وخرج معه إسماعيل وأُمه هاجر، وإسماعيل طفل صغير يرضع، ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم، فكان لا يمر بقرية إلا قال : أبهذه أُمرتُ يا جبريل؟ فيقول جبريل : امضه، حتى قدم به مكة وهي إذ ذاك عضاه ( سلم وسمر ) وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذٍ ربوة حمراء مدرة، فقال إبراهيم لجبريل : أهاهنا أمرت أن أضعهما؟ قال : نعم، فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه، وأمر ( هاجر ) أُم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشاً فقال :