يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو، إلاّ من عصمه الله تعالى في حالتي السراء والضراء، فإنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية وفتح ورزق ونصر، ونال ما يريد، أعرض عن طاعة الله وعبادته، ونأى بجانبه. قال مجاهد : بَعُد عنا، وهذا كقوله تعالى :﴿ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ]، وبأنه إذا مسه الشر وهو المصائب والحوادث والنوائب ﴿ كَانَ يَئُوساً ﴾ أي قنط أن يعود، يحصل له بعد ذلك خير، كقوله تعالى :﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾ [ هود : ٩-١٠ ]، وقوله تعالى :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ ﴾ قال ابن عباس : على ناحيته، وقال مجاهد : على حدته وطبيعته، وقال قتادة : على نيته، وقال ابن زيد : على دينه، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وهذه الآية - والله أعلم - تهديد المشركين ووعيد لهم، كقوله تعالى :﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ ﴾ [ ٍهود : ١٢١ ] الآية. ولهذا قال :﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً ﴾ أي منا ومنكم، وسيجزي كل عامل بعمله، فإنه لا تخفى عليه خافية.


الصفحة التالية
Icon