يقول تعالى آمراً رسوله ﷺ بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس، ﴿ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾ أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل، وقوله ﴿ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ قال مجاهد :﴿ مُلْتَحَداً ﴾ ملجأ، وعن قتادة : ولياً ولا مولى، قال ابن جرير : يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك، فإنه لا ملجأ لك من الله كما قال تعالى :﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [ المائدة :’٦٧ ]، وقوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشياً، من عباد الله، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، يقال : إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي ﷺ أن يجلس معهم وحده، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه، كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود، وليفرد أولئك بمجلس على حدة، فنهاه الله عن ذلك، فقال :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ] الآية. وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء، فقال :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ الآية. عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبي ﷺ ستة نفر، فقال المشركون للنبي ﷺ : اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال :« ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلاّ وجهه إلاّ ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات » وقال الطبراني، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف، قال : نزلت على رسول الله ﷺ وهو في بعض أبياته :﴿ واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ الآية، فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله تعالى، منهم ثائر الرأس وجاف الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم، وقال :« الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم »، وقوله :﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا ﴾ قال ابن عباس : ولا تجاوزهم إلى غيرهم يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة، ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا، ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع، ولا تكن مطيعاًَ له ولا محباً لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه، كما قال :﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى ﴾ [ طه : ١٣١ ].


الصفحة التالية
Icon