﴿ وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٩ ].
( قلت ) وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي فإن تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم، والسياق إنما هو في العرب، ولهذا قال بعده :﴿ رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [ البقرة : ١٢٩ ] الآية. والمراد بذلك محمد ﷺ، وقد بعث فيهم كما قال تعالى :﴿ هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ [ الجمعة : ٢ ]، ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود لقوله تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] وغير ذلك من الأدلة القاطعة، وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبرنا الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين في قوله :﴿ والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [ الفرقان : ٧٤ ]. وهذا القدر مرغوب فيه شرعاً فإنَّ من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده. لا شريك له. ولهذا لما قال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام :﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ] قال :﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ]، وهو قوله :﴿ واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ [ إبراهيم : ٣٥ ] وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال :« إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له ».
﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ قال عطاء : أخرجها لنا، علمناها، وقال مجاهد :﴿ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ﴾ مذابحنا. وقال أبو داود الطيالسي عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال :« إن إبراهيم لما أُري أوامر المناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به ( منى ) فقال : هذا مناخ الناس، فلما انتهى إلى ( جمرة العقبة ) تعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى ( الجمرة الوسطى ) فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى ( الجمرة القصوى ) فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، فأتى به جمعاً فقال : هذا المشعر، ثم أتى به عرفة فقال : هذه عرفة، فقال له جبريل : أعرفت؟ ».