يقول تعالى بعد ذكره المشركين، المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم، فضرب لهم مثلاً برجلين، جعل الله لأحدهما جنتين، أي بستانين من أعناب محفوفتين بالنخيل المحدقة في جنباتهما وفي خلالهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع، وكل من الأشجار والزروع مثمر مقبل في غاية الجودة. ولهذا قال :﴿ كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا ﴾ أي أخرجت ثمرها ﴿ وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً ﴾ أي لم تنقص منه شيئاً ﴿ وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً ﴾ أي والأنهار متفرقة فيها هاهنا وهاهنا ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ﴾ قيل، والمراد به المال، وقيل : الثمار، وهو أظهر هاهنا، ﴿ فَقَالَ ﴾ أي صاحب هاتين الجنتين ﴿ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ أي يجادله ويخاصمه، يفتخر عليه ويترأس ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ أي أكثر خدماً وحشماً وولداً، قال قتادة : تلك والله أمنية الفاجر، كثرة المال، وعزة النفر. وقوله :﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ أي بكفره وتمرده وتجبره وإنكار المعاد، ﴿ وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً ﴾ وذلك اغترار منه، لما رأى فيها من الزروع والثمار والأشجار والأنهارالمطردة في جوانبها وأرجائها ظن أنها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف، وذلك لقلة عقله وضعف يقينه بالله وإعجابه بالحياة الدنيا وزينتها، وكفره بالآخرة، ولهذا قال ﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً ﴾ أي ولئن كان معاد ورجعة ومرد إلى الله ليكوننَّ لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا، كما قال في الآية الأخرى ﴿ وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى ﴾ [ فصلت : ٥٠ ]، وقال :﴿ أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً ﴾ [ مريم : ٧٧ ].


الصفحة التالية
Icon