يقول تعالى مخبراً عما أجابه به صاحبه المؤمن واعظاً له وزاجراً عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار :﴿ أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ﴾، وهكذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه، وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، كما قال تعالى :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] الآية، أي كيف تجحدون ربكم، ودلالته عليكم ظاهرة جلية، ولهذا قال المؤمن ﴿ لكنا هُوَ الله رَبِّي ﴾ : أي لكن أنا لا أقول بمقالتك بل اعترف لله بالوحدانية والربوبية، ﴿ وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ﴾ أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له، ثم قال :﴿ ولولا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ﴾. وهذا تحضيض وحث على ذلك، أي هلا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله، ولهذا قال بعض السلف من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده فليقل : ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله، وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول فيقول ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله، فيرى فيه آفة دون الموت » وكان يتأول هذه الآية :﴿ ولولا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ﴾، وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله ﷺ قال له :« ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلاّ بالله ».
وقال أبو هريرة، قال لي رسول الله ﷺ :« يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟ » قال، قلت : فداك أبي وأمي، قال :« أن تقول لا قوة إلاّ بالله ». قال أبو بلخ وأحسب أنه قال :« فإن الله يقول أسلم عبدي واستسلم » وقوله :﴿ فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ ﴾ أي في الدار الآخرة، ﴿ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا ﴾ أي على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى ﴿ حُسْبَاناً مِّنَ السمآء ﴾، قال ابن عباس والضحّاك : أي عذاباً من السماء، والظاهر أنه مطر عظيم مزعج، يقلع زرعها وأشجارها، ولهذا قال :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ﴾، أي بلقعاً تراباً أملس، لا يثبت فيه قدم. وقال ابن عباس : كالجزر الذي لا ينبت شيئاً، وقوله ﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً ﴾ أي غائراً في الأرض وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض. فالغائر يطلب أسفلها، كما قال تعالى ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ ﴾ [ الملك : ٣٠ ] : أي جار وسائح، وقال هاهنا :﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً ﴾، والغور مصدر بمعنى غائر، وهو أبلغ منه كما قال الشاعر :

تظل جياده نوحاً عليه تقلده أعنتها صفوفاً
بمعنى نائحات عليه.


الصفحة التالية
Icon