يقول تعالى :﴿ واضرب ﴾ يا محمد للناس ﴿ مَّثَلَ الحياة الدنيا ﴾ في زوالها وفنائها وانقضائها، ﴿ كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض ﴾ أي ما فيها من الحب، فشب وحسن، وعلاه الزهر والنور، والنضرة، ثم بعد هذا كله ﴿ فَأَصْبَحَ هَشِيماً ﴾ يابساً ﴿ تَذْرُوهُ الرياح ﴾ أي تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال، ﴿ وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً ﴾ أي هو قادر على هذه الحال وهذه الحال، وكثيراً ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل كما قال تعالى في سورة يونس :﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السمآء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض مِمَّا يَأْكُلُ الناس والأنعام ﴾ [ الآية : ٢٤ ]، وقال في سورة الحديد :﴿ اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأموال والأولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ﴾ [ الآية : ٢٠ ]. وفي الحديث الصحيح :« الدنيا خضرة حلوة » وقوله :﴿ المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا ﴾ كقوله :﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء والبنين والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب ﴾ [ آل عمران : ١٤ ] الآية. وقال تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ التغابن : ١٥ ] : أي الإقبال عليه والتفرغ لعبادته خير لكم من اشتغالكم بهم والجمع لهم والشفقة المفرطة عليهم، ولهذا قال :﴿ والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾، قال ابن عباس وسعيد ابن جبير، وغير واحد من السلف : الباقيات الصالحات : الصلوات الخمس. وقال ابن عباس :﴿ والباقيات الصالحات ﴾ : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، وهكذا سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن ﴿ والباقيات الصالحات ﴾ ما هي؟ فقال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. وروي عن سعيد بن المسيب قال : الباقيات الصالحات ( سبحان والحمدلله ولا إله الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ) وقال محمد ابن عجلان عن عمارة قال : سألني سعيد بن المسيب عن الباقيات الصالحات، فقلت : الصلاة والصيام، فقال : لم تصب، فقلت : الزكات والحج، فقال : لم تصب، ولكنهن الكلمات الخمس : لا إله إلاّ الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« سبحان الله والحمد لله ولا إله الله والله أكبر هنّ الباقيات الصالحات » وفي الحديث :« أما إنه سيكون بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئلهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر من الباقيات الصالحات » وقال ابن عباس قوله ﴿ والباقيات الصالحات ﴾ قال : هي ذكر الله، قول : لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله والحمدلله، وتبارك الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، وأستغفر الله، وصلى الله على رسول الله، والصيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة وجميع أعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض، وعنه : هي الكلام الطيب، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي الأعمال الصالحة كلها، واختاره ابن جرير رحمه الله.


الصفحة التالية
Icon