﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد ﴾ [ الأنبياء : ٣٤ ]، وبقول النبي ﷺ يوم بدر :« اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض »، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله ﷺ ولا حضر عنده، ولا قاتل معه، ولو كان حياً لكان من أتباع النبي ﷺ وأصحابه، لأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وقد قال :« لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلاّ اتباعي »، وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف، إلى غير ذلك من الدلائل.
وفي « صحيح البخاري »، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هي تهتز من تحته خضراء » والمراد بالفروة هاهنا الحشيش اليابس، وهو الهشيم من النبات، وقيل المراد بذلك وجه الأرض. وقوله :﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ أي هذا تفسير ما ضقت به ذرعاً، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال :﴿ تَسْطِع ﴾ وقبل ذلك كان الإشكال قوياً ثقيلاً، فقال :﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ [ الكهف : ٧٨ ] فقابل الأثقل بالأثقل، والأخف بالأخف، كما قال :﴿ فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ ﴾ [ الكهف : ٩٧ ] وهو الصعود إلى أعلاه ﴿ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً ﴾ [ الكهف : ٩٧ ] وهو أشق من ذلك، فقابل كلا بما يناسبه لفظاً ومعنى والله أعلم. فإن قيل : فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر، وذكر ما كان بينهما، وفتى موسى معه تبع، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في « الصحاح » وغيرها، أنه ( يوشع بن نون ) وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon