يقول تعالى لنبيّه ﷺ ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾ يا محمد ﴿ عَن ذِي القرنين ﴾ أي عن خبره، وقد قدمنا انه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب، يسألون منهم ما يمتحنون به النبي ﷺ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية ما يدري ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف وقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه وآمن به، وتبعه، وكان وزيره الخضر عليه السلام، وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب « البداية والنهاية » بما فيه كفاية والحمد لله. وقال بعض أهل الكتاب، سمّي ذا القرنين لأنه ملك الروم وفارس، وقال بعضهم : كان في رأسه شبه القرنين. وقال سفيان الثوري، عن أبي الطفيل : سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين فقال : كان عبداً ناصحاً لله فناصحه، دعا قومه لله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين، ويقال إنه سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب. وقوله :﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض ﴾ أي أعطيناه ملكاً عظيماً، ممكناً فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحضارات، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد وخضعت له ملوك العباد. وخدمته الأمم من العرب والعجم، ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها، وقوله :﴿ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ﴾، قال ابن عباس : يعني علماً، وقال قتادة : منازل الأرض وأعلامها، وقال عبد الرحمن بن زيد، تعليم الألسنة، قال : كان لا يغزو قوماً إلاّ كلمهم بلسانهم، وعن حبيب بن حماد قال : كنت عند علي رضي الله عنه، وسأله رجل عن ذي القرنين، كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال : سبحان الله سخّر له السحاب وقدر له الأسباب وبسط له اليد.


الصفحة التالية
Icon