ولهذا قالت :﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ﴾ والبغي هي الزانية، ﴿ قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ أي فقال لها الملك مجيباً لها عما سألت، إن الله قد قال إنه سيوجد منك غلاماً، وإن لم يكن لك بعل ولا يوجد منك فاحشة، فإنه على ما يشاء قادر، ولهذا قال :﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ ﴾ أي دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ﴿ وَرَحْمَةً مِّنَّا ﴾ أي ونجعل هذا الغلام رحمة من الله، نبياً من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، كما قال تعالى في الآية الأخرى ﴿ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين ﴾ [ آل عمران : ٤٥ ] أي يدعو إلى عبادة ربه في مهده وكهولته. قال ابن أبي حاتم، عن مجاهد قال، قالت مريم عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس، سبّح في بطني وكبّر، وقوله :﴿ وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً ﴾ يحتمل أن هذا من تمام كلام جبريل لمريم، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته، ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد ﷺ وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها، كما قال تعالى :﴿ وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ﴾ [ التحريم : ١٢ ]، وقال :﴿ والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾ [ الأنبياء : ٩١ ]، قال محمد بن إسحاق ﴿ وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً ﴾ : أي إن الله قد عزم على هذا فليس منه بد، واختار هذا أيضاً ابن جرير في تفسيره ولم يحك غيره، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon