اختلف المفسرون في المراد بذلك من هو؟ فقال ابن عباس :﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ ﴾ جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، أي ناداها من أسفل الوادي، وقال مجاهد ﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ ﴾ قال : عيسى ابن مريم، وقال الحسن : هو ابنها. قال : أو لم تسمع الله يقول ﴿ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ ﴾، وقوله ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾ أي ناداها قائلاً لا تحزني ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ﴾، عن البراء ابن عازب، وعن ابن عباس : السري النهر، وقال الضحّاك : هو النهر الصغير بالسريانية، وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز، وقال السدي : هو النهر، واختار هذا القول ابن جرير، وقال آخرون : المراد بالسري عيسى عليه السلام. والقول الأول أظهر، ولهذا قال بعده :﴿ وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة ﴾ أي وخذي إليك بجذع النخلة، قيل : كانت يابسة قاله ابن عباس، وقيل : مثمرة، والظاهر أنها كانت شجرة، ولكن لم تكن في إبان ثمرها، قاله وهب بن منبه : ولهذا امتن عليها بذلك بأن جعل عندها طعاماً وشراباً فقال :﴿ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي واشربي وَقَرِّي عَيْناً ﴾ أي طيبي نفساً، ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب، ثم تلا هذه الآية الكريمة.
وقوله تعالى :﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً ﴾ أي مهما رأيت من أحد، ﴿ فقولي إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً ﴾، المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك، لا أن المراد به القول اللفظي، لئلا ينافي ﴿ فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً ﴾، قال أنَس بن مالك في قوله ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً ﴾ قال : صمتاً، وكذا قال ابن عباس والضحّاك، وفي رواية عن أنَس : صوماً وصمتاً، والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام. روى ابن إسحاق، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الأخر فقال : ما شأنك؟ قال أصحابه : حلف أن لا يكلم الناس اليوم. فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم، فإن تلك امرأة علمت أن أحداً لا يصدقها، أنها حملت من غير زوج، يعني بذلك مريم عليها السلام، ليكون عذراً لها إذا سئلت. وقال عبد الرحامن بن زيد : لما قال عيسى لمريم ﴿ لاَّ تَحْزَنِي ﴾ قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي لا ذات زوج ولا مملوكة، أي شيء عذري عند الناس؟ ﴿ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٣ ].


الصفحة التالية
Icon