﴿ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ ﴾ [ مريم : ١٩ ]، قال : فمن ربكما؟ فأخبراه بالذي قص الله عليك في القرآن، قال : ما تريدان؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت، قال : أريد أن تؤمن بالله وترسل معنا بني إسرائيل، فأبى عليه، فقال : ائت بآية إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه فإذا هي حية تسعى عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون، فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم عن سريره، واستغاث بموسى أن يكفها عنه، ففعل، ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء، يعني من غير برص، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول، فاستشار الملأ حوله فيما رأى، فقالوا له : هذان ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى، يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئاً مما طلب، وقالوا له : اجمع لهما السحرة، فإنهم بأرضك كثير حتى تغلب بسحرك سحرهما، فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا : بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا : يعمل بالحيات، قالوا : فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل فما أجرنا إن نحن غلبناه؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصتي وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم، فتواعدوا يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى.
قال سعيد بن جبير : فحدثني ابن عباس : أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة هو يوم عاشوراء. لما اجتمعوا في صعيد واحد، قال الناس بعضهم لبعض : انطلقوا فلنحضر هذا الأمر ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين ﴾ [ الشعراء : ٤٠ ] يعنون موسى وهارون، استهزاء بهما ﴿ قَالُواْ ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى ﴾ [ طه : ٦٥ ]، ﴿ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون ﴾ [ الشعراء : ٤٤ ]، فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة، فأوحى الله إليه أن ألق عصاك، فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيماً فاغراً فاه فجعلت العصي تلتبس بالحيال حتى صارت جرزاً إلى الثعبان تدخل فيه، حتى ما أبقت عصا ولا حبلاً إلاّ ابتلعته، فلما عرف السحرة ذلك قالوا : لو كان هذا سحراً لم يبلغ من سحرنا كل هذا، ولكن هذا أمر من الله عزَّ وجلَّ، آمنا بالله وبما جاء به موسى من عند الله ونتوب إلى الله مما كنا عليه، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وظهر الحق، وبطل ما كانوا يعملون ﴿ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صَاغِرِينَ ﴾ [ الأعراف : ١١٩ ]، وامرأة فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه وإنما كان حزنها وهمها لموسى.