يقول تعالى مخبراً عن فرعون، أنه قال لموسى منكراً وجود الصانع الخالق ﴿ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى ﴾ أي الذي بعثك وأرسلك من هو؟ فإني لا أعرفه وما علمت من إله غيري ﴿ قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ قال ابن عباس : يقول خلق لكل شيء زوجه، وعنه : جعل الإنسان إنساناً والحمار حماراً والشاة شاة. وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورته، وسوّى خلق كل دابة. وقال سعيد بن جبير في قوله ﴿ أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ قال : أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه، ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة، ولا للدابة من خلق الكلب، ولا للكلب من خلق الشاة، وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح، وهيأ كل شيء على ذلك، ليس شيء منها يشبه شيئاً من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح، ﴿ قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى ﴾ ؟ أصح الأقوال في معنى ذلك؛ أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله، هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى، شرع يحتج بالقرون الأولى، أي الذين لم يعبدوا الله، أي فما بالهم إذ كان الأمر كذلك، لم يعبدوا ربك بل عبدوا غيره، فقال له موسى في جواب ذلك : هم وإن لم يعبدوه فإن علمهم عند الله مضبوط عليهم، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمار، ﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ أي لا يشذ عنه شيء، ولا يفوته صغير ولا كبير ولا ينسى شيئاً، يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط، وأنه لا ينسى شيئاً تبارك وتقدس، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان « أحدهما عدم الإحاطة بالشيء، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك.


الصفحة التالية
Icon