وذكر غير واحد من المفسِّرين أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر وذلك في مسجد بني سلمة : فسمي ( مسجد القبلتين ) وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال :« بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذا جاءهم آت فقال : إن رسول الله ﷺ قد أُنْزِل عليه الليلة قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة »، ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتيابٌ وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالو :﴿ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا ﴾ أي قالوا : ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله :﴿ قُل للَّهِ المشرق والمغرب ﴾ أي الحكم والتصرف والأمر كله لله، ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله ﴾ أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مراتٍ إلى جهات متعددة فنحن عبيده، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وأُمته عناية عظيمة، إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة أشرف بيوت الله في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا قال :﴿ قُل للَّهِ المشرق والمغرب يَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾.
عن عائشة قالت : قال رسول الله ﷺ، يعني في أهل الكتاب :« إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين ».
وقوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾، يقول تعالى إنما حولناكم على قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأُمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأُمم، لان الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسطُ هاهنا : الخيار والأجود، كما يقال : قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها، وكان رسول الله وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه ( الصلاة الوسطى ) وهي العصر، ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً خصَّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج وأوضح المذاهب كما قال تعالى :﴿ هُوَ اجتباكم وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس ﴾ [ الحج : ٧٨ ].