يذكر تعالى نعمه - على بني إسرائيل - العظام، ومننه الجسام، حيث أنجاهم من عدوهم فرعون، وأقر أعينهم منه وهم ينظرون إليه، وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة، لم ينج منهم أحد، كما قال :﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ [ البقرة : ٥٠ ]. عن ابن عباس قال :« لما قدم رسول الله ﷺ المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى على فرعون، فقال :» نحن أولى بموسى فصوموه «، ثم إنه تعالى واعد موسى وبني إسرائيل بعد هلاك فرعون، جانب الطور الأيمن، وهو الذي كلمه الله تعالى عليه وسأل فيه الرؤية، وأعطاه التوراة هنالك، وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل، كما يقصه الله تعالى قريباً، وأما المن والسلوى فقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وغيرها، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء، والسلوى طائر يسقط عليهم، فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد لطفاً من الله ورحمة بهم وإحساناً إليهم، ولهذا قال تعالى :﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي ﴾ أي كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم ولا تطغوا في رزقي، فتأخذوه من غير حاجة، وتخالفوا ما أمرتكم به، ﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ أي أغضب عليكم، ﴿ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى ﴾ أي فقد شقي، وقوله ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ﴾ أي كل من تاب إليَّ تبت عليه من أي ذنب كان، حتى إنه تاب تعالى على عبد العجل من بني إسرائيل، وقوله تعالى ﴿ تَابَ ﴾ أي رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق، قوله ﴿ وَآمَنَ ﴾ أي بقلبه، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحَاً ﴾ أي بجوارحه، وقوله :﴿ ثُمَّ اهتدى ﴾ عن ابن عباس : أي ثم لم يشكك، وقال سعيد بن جبير ﴿ ثُمَّ اهتدى ﴾ : أي استقام على السنة والجماعة، وقال قتادة ﴿ ثُمَّ اهتدى ﴾ : أي لزم الإسلام حتى يموت، و ﴿ ثُمَّ ﴾ هاهنا لترتيب الخبر على الخبر، كقوله :﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ ﴾ [ البلد : ١٧ ] ﴿ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ [ البقرة : ٢٥ ].