عن ابن عباس قال : إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي، وقال مجاهد والحسن : ترك، وقوله :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ ﴾ يذكر تعالى تشريف آدم وتكريمه وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلاً، ﴿ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى ﴾ أي امتنع واستكبر، ﴿ فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ يعني حواء عليهما السلام، ﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى ﴾ أي إياك أن تسعى في إخراجك منها، فتتعب وتعنى وتشقى في طلب رزقك، فإنك ها هنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة، ﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى ﴾ إنما قرن بين الجوع والعري لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر، ﴿ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى ﴾ وهذان أيضاً متقابلان، فالظمأ حر الباطن وهو العطش، والضحى حر الظاهر. وقوله :﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ ياآدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى ﴾ قد تقدم أنه دلاهما بغرور ﴿ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين ﴾ [ الأعراف : ٢١ ]، وقد تقدم أن الله تعالى عهد إلى آدم وزوجه أن يأكلا من كل الثمار ولا يقربا هذه الشجرة المعينة في الجنة، فلما يزل بهما إبليس حتى أكلا منها. وقوله :﴿ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ﴾، روي أن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلقة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة، فناداه الرحمن : قال : يا رب لا ولكن استحياء، أرأيت إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة؟ قال : نعم، فذلك قوله :﴿ فتلقى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كلمات فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [ البقرة : ٣٧ ].
وقوله تعالى :﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة ﴾، قال مجاهد : يرقعان كهيئة الثوب، وروى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس : ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما، وقوله :﴿ وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى * ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى ﴾، روى البخاري، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال :« حاجَّ موسى آدم فقال له : أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم؟ قال آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه؟ أتلومني على أمر كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني، أو قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله ﷺ : فحج آدم موسى »، وفي رواية لابن أبي حاتم :« احتج آدم وموسى عند ربهما، فحج آدم موسى. قال موسى : أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك! قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقربك نجياً، فكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى : بأربعين عاماً، قال آدم : فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى؟ قال : نعم، قال : أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله ﷺ : فحجَّ آدمُ موسى ».


الصفحة التالية
Icon