يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس اهبطوا منها جميعاً : أي من الجنة كلكم ﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ آدم وذريته، وإبليس وذريته، وقوله :﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ﴾ قال أبو العالية : الأنبياء والرسل والبيان، ﴿ فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى ﴾ قال ابن عباس : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾ أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غير هداه، ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ أي ضنكاً في الدنيا فلا طمأنينة له وله انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلالة وإن تنعّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة. قال ابن عباس ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ قال : الشقاء. وعنه : إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين، فكانت معيشتهم ضنكاً، فإذا كان العبد يكذب بالله ويسيء الظن به والثقة به اشتدت عليه معيشته فذلك الضنك. وقال الضحّاك : هو العمل السيء والرزق الخبيث. وروى سفيان بن عيينة، عن أبي سعيد في قوله ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ قال : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه.
عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال :« المؤمن في قبره في روضة خضراء ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له قبره، كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ ؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم، قال :« عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنبناً، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون » وروى البزار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ في قول الله عزَّ وجلَّ ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ قال :« المعيشة الضنك الذي قال الله إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمة حتى تقوم الساعة » وقوله :﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى ﴾ قال مجاهد والسدي : لا حجة له، وقال عكرمة : عمي عليه كل شيء إلاّ جهنم، ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً كما قال تعالى :﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [ الإسراء : ٩٧ ] الآية، ولهذا يقول :﴿ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ﴾ ؟ أي في الدنيا ﴿ قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى ﴾ أي لما أعرضت عن آيات الله وتناسيتها وأعرضت عنها، كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك، ﴿ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا ﴾ [ الأعراف : ٥١ ] فإن الجزاء من جنس العمل، فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص، وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلاّ لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم ».