يقول تعالى لنبيّه محمد ﷺ : لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد ﴿ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ ﴾ : يعني الأغنياء، فقد آتاك خيراً مما آتاهم. ولهذا قال :﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى ﴾. وفي « الصحيح » « أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله ﷺ في تلك المَشْرُبة التي كان قد اعتزل فيها نساءه حين آلى منهن، فرآه متوسداً مضطجعاً على رمال حصير، وليس في البيت إلاّ صُبْرة من قَرَظ واهية معلقة، فابتدرت عينا عمر بالبكاء، فقال له رسول الله ﷺ :» ما يبكيك يا عمر؟ « فقال : يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه! فقال :» أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا «، فكان ﷺ أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئاً لغد.
عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال :» إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا «، قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال :» بركات الأرض « وقال قتادة والسدي ﴿ زَهْرَةَ الحياة ﴾ : يعني زينة الحياة الدنيا : وقال قتادة ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ لنبتليهم، وقوله :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا ﴾ أي استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة واصبر أنت على فعلها، كما قال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ [ التحريم : ٦ ]. وقوله :﴿ لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال تعالى :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢-٣ ]، ولهذا قال :﴿ لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾، وقال الثوري : لا نسألك رزقاً : أي لا نكلفك الطلب. وقال ابن أبي حاتم، عن ثابت قال : كان النبي ﷺ إذا أصابه خصاصة نادى أهله يا أهلاه صلوا، صلوا. قال ثابت : وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة. وقال رسول الله ﷺ :» يقول الله تعالى يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك « وعن زيد بن ثابت قال، سمعت رسول الله ﷺ سيقول :» من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلاّ ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة «، وقوله ﴿ والعاقبة للتقوى ﴾ : أي وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة وهي الجنة لمن التقى الله، وفي » الصحيح « أن رسول الله ﷺ قال :» رأيت الليلة كأنا في دار ( عقبة بن رافع ) وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوّلت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة، وأن ديننا قد طاب «.