يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق أي بالعدل والقسط، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً، كما قال :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار ﴾ [ ص : ٢٧ ]، وقوله تعالى :﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِين ﴾، قال مجاهد : يعني من عندنا، يقول : وما خلقنا جنة ولا ناراً ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً. وقال الحسن وقتادة ﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ﴾ اللهو : المرأة بلسان أهل اليمن، وقال إبراهيم النخعي ﴿ لاَّتَّخَذْنَاهُ ﴾ من الحور العين. وقال عكرمة والسدي : والمراد باللهو هاهنا الولد، وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى :﴿ لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ الله الواحد القهار ﴾ [ الزمر : ٤ ] فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقاً ولا سيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى أو العزير أو الملائكة ﴿ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ [ الإسراء : ٤٣ ]، وقوله ﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ قال قتادة والسدي : أي ما كنا فاعلين، وقال مجاهد : كل شيء في القرآن « إن » فهو إنكار. وقوله :﴿ بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل ﴾ أي نبين الحق فيدحض الباطل ولهذا قال :﴿ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ أي ذاهب مضمحل، ﴿ وَلَكُمُ الويل ﴾ أي أيها القائلون لله ولد ﴿ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ أي تقولون وتفترون. ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً، فقال :﴿ وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض وَمَنْ عِنْدَهُ ﴾ يعني الملائكة ﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ : أي لا يستنكفون عنها كما قال :﴿ لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملائكة المقربون ﴾ [ النساء : ١٧٣ ]، وقوله :﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي لا يتبعون ولا يملون، ﴿ يُسَبِّحُونَ اليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ فهم دائبون في العمل ليلاً ونهاراً مطيعون قصداً وعملاً، قادرون عليه كما قال تعالى :﴿ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [ التحريم : ٦ ]. وقال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له : أرأيت قول الله تعالى للملائكة :﴿ يُسَبِّحُونَ اليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟ فقال : من هذا الغلام؟ فقالوا : من بني عبد المطلب، قال : فقبّل رأسي ثم قال : يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس؟